ذكرى الزهراء (ع) عيد
بولادة فاطمة الزهراء عليها السلام دخل العالم مرحلة جديدة .. بولادتها وجدت أمرأة بمواصفات خالدة ومنقطعة النظير فهي:
1- بنت خاتم الانبياء والرسل محمد صلى الله عليه وآله
2- زوج امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي بسيفه ومواقفه تثبتت اركان الاسلام.
3- ام لسبطي رسول الله (ص) والامامين ان قاما وان قعدا الحسن والحسين عليهما السلام
4- يعود اليها نسل نستضيء بوجوده الى يومنا هذا من الائمة الاطهار من ذرية الحسين عليه السلام اولهم علي بن الحسين وآخرهم محمد بن الحسن العسكري الحجة المنتظر عجل الله فرجه كلهم من نسل فاطمة الزهراء عليها السلام.
5- سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين.
6- شهدت سنوات عمرها  القصير الذي لم يتجاوز ثمانية عشر ربيعا (على رواية) او اثنا وعشرون ربيعا (على رواية) العديد من المواقف التي يعجز الرجال عن اتخاذها سنسطرها بما يتلائم ولغة العصر لتكون قدوة لنساء هذا الزمن:
أ‌- بفقد والدها رسول الله (ص) تعرضت لامتحانين الاول مصيبة الموت وفقد العزيز والسند ونسائم الوحي وحياة تولد في احضانها تاريخ امة والثاني تغير الاحوال بمنع امير المؤمنين (ع) تنفيذ وصية الرسول (ص) في تنصيبه يوم الغدير اميرا للمؤمنين وولاية الامر من بعده وتولي زمام الامور من قبل الخليفة الاول وانقلاب الاوضاع وتغيير اتجاهها بشكل يخشى منه على  رواسي الرسالة وقواعد النبوة, فقررت ان تعارض انقلاب الامور واتخذت من سياسة سلب الحقوق وانتزاع ارثها في فدك من غاصبيه مدخلا للوقوف بوجه من يريد تغيير الاسس التي وضعها رسول الله (ص). 
ب‌- في عصر لم يكن فيه تواصل عن طريق الانترنت او اجهزة المحمول فالحقائق يصعب معرفتها بسرعة الضوء وبالصوت والصورة كما يحصل الان, فلم يكن الا التبليغ المباشر والمواجهة وسيلة للمعارضة ولذا فقد سارت الزهراء في اصعب الطرق في مواجهة الخليفة الاول وهو رأس السلطة آنذاك, فخرجت من منزلها قاصدة مجلس الخليفة في المسجد النبوي متخذةً الوسائل التي تمنحها قوةً وتأثيرا اكثر صلابة من حد السيف ومن تلك الوسائل على ماذكر في التاريخ : ان سيرها من بيتها الى المجلس لم تكن فيه منفردة بل رافقنها عدد من النسوة فهي انتفاضة نسائية لفتت الانظار واستبقت وسائل التظاهر الشائعة اليوم بآلاف السنين, وقد حشدت اثناء طريقها الى المسجد (مقر الخليفة) عدد كبير من الناس رافقوا هذا الجمع النسوي الفاطمي. الامر الآخر الذي تذكره كتب التاريخ ان مشية الزهراء سلام الله عليها كانت لاتختلف عن مشية رسول الله (ص) وان هذه المحاكاة قد استولت بها على مشاعر الناس الذين كانوا حديثي عهد بفقدهم نبيهم (ص) مما جعلها تمهد تمهيدا نفسيا لانتفاضتها, كما انها صلوات الله عليها لم تدخل المسجد من خلال دارها الذي هو في المسجد اصلا وانما خرجت لتدخل من الباب العام للمسجد.
ت‌- قامت بحملة توعية وتذكير ونشر للحقائق والتعريف والضغط  بحنكة سياسية قوضت اركان سلطة غير شرعية من خلال حديثها مع مجموعة نساء من الانصار والمهاجرين بقولها (وان تعجب فقد اعجبك الحادث الى اي لجاٍ استندوا ؟ وبأي عروة تمسكوا ؟ لبئس المولى ولبئس العشير ولبئس للظالمين بدلا . ويحهم (افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع أمن لايهدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون).
ث‌- واجهت الخليفة الاول (رأس السلطة) بخطبة بما يشبه التقريع للناسين او المتناسين فوصفت رسول الله (ص) وقيادته للامة ثم قارنت بين الامام علي (ع) والآخرون  بأروع  وصف فقالت  (فلا ينكفأ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله, مجتهدا في امر الله, قريبا من رسول الله, سيد اولياء الله مشمرا ناصحا, مجدا كادحا, وانتم في رفاهية العيش وادعون فاكهون آمنون) ثم تحدثت عن الوضع السياسي الجديد بعد ان وافى رسول الله (ص) الاجل  فقالت ( فوسمتم غير ابلكم واوردتم غير شربكم  هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ابتدارا زعمتم خوف الفتنة  (( الا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة  بالكافرين)) . ثم تلا ذلك مخاطبات وكتب ارسلتها الزهراء ومناقشة وتوضيح  ظاهرها مسالة الارث وباطنها لفت النظر عبر التاريخ الى درجة الانحراف عن الاسس في سبيل التمسك بسلطة اغرتهم لدرجة مهاجمتها في دارها ومنعها بالقوة.  
ج‌- تحولت  الى الاحتجاج والمقاطعة فأمتنعت اولا عن مقابلة احد من السلطة او المقربين منهم ثم اتخذت لنفسها بيتا للاحزان عبرت من خلال اشاعة الحزن والبكاء على فقيدها الغالي عما وجدته من تضييع الحقوق بعده وانحراف المسار وقلة الناصرين والمعينين بل قلة المؤمنين حقا.
ح‌- حتى في فترة مرضها وقرب وفاتها عبرت من خلال وصيتها على شدة  احتجاجها  بأن تدفن سرا وان لا يقف على غسلها احد فكان امير المؤمنين هو الذي غسلها وارقدها رقدتها الاخيرة في سواد الليل وبعيدا عن انظار الناس.
7- تركت الزهراء عليها السلام ارثا غنيا خصبا لبنات جنسها من خلال تعاملها الاجتماعي في بيتها كأم وكزوجة وكابنة مما ولَد عددا لايستهان به من اللواتي تخرجن من هذه المدرسة الشامخة وسرن على دربها ونهلن من معينها ووقفن مواقف الشجاعة والاقدام والرفض والثورة التي وقفتها دون ريبة بأحقية مواقفهن فمن اسماء بنت عميس الى زينب العقيلة عليها السلام الى مجاهدات في تاريخنا الحديث مثل الشهيدة بنت الهدى وغيرهن كثيرات من شهيدات على يد النظام السابق.

اليوم ونحن في ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام هل توجد من النساء وبعد ماتوفر لهن من مكتسبات للمشاركة في الشأن العام هل منهن من يمكنها ان تقف بمفردها دون اعوان او مساندة من احد الا ايمانها بقضيتها هل يمكن ان تقف بوجه راس السلطة وتتحمل كل انواع الضغوط والاقصاء  والتهديد والفشل في تحقيق الهدف دون ان تتراجع ليسطر اسمها في قائمة السائرات في طريقها والمتخرجات من مدرستها. 
اليس يوم ميلادها وبزوغ فجرها  وارتفاع عدد المنتميات لمدرستها  والسائرات على دربها انما هو عيد لكل النساء.

                                                                                      د. عامرة البلداوي
                                                                                  رئيس مؤسسة ام اليتيم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Scroll to Top